ركبت سيارة
أجرة وبدأت تشق بنا الطريق نحو البادية الفسيحة . بدأت السيارة تشق طريقها
وسط مصانع المدينة التي تلوث الأجواء بدخانها القاتم وما لبثت أن بدأت تشق
الجبال والوديان معلنة عن بداية رحلة في البراري الفسيحة وسط جو منعش يبعث
في الروح حيوية ونشاط وسط الحيوانات الأليفة والطيور البرية التي تشدو بكل
أنواع الأنغام في سورة ربانية بديعة لم تممسها يد البشر بأي نوع من الأذى
. فكونت لوحة منسجمة ناطقة بعضمة الخالق المبدع الذي تجلت قدرته في هذه
الطبيعة الخلابة.
وصلت البادية
فأستقبلني أبن عمي بحفاوة بالغة تنبؤك بكرم أهل البادية وأخلاقهم العالية
والحميدة . فركبنا السيارة متجهين نحو المنزل الموجود خلف تلة عالية .
ورغم بساطته إلا إنك تحس بطمأنينة وأمن غريبين يختلجانك وأنت بداخله تفترش
الحصير التقليدي المصنوع في المنزل
إسترحت قليلا
وتناولنا طعام الغداء المصحوب بكوب اللبن اللذيذ الذي يبعث في الروح نوعا
من المرح رغم تعب السفر الطويل والشاق. وبعد العصر دعاني إبن عمي لنحضر
أحد الأعراس المقامة في البادية . فتحججت بالتعب لأني لم أكن أحب حضور
الأعراس ولكنه ألح في الطلب بمرافقته خاصة وأن أعراس البادية رائعة وتختلف
عن أعراس المدينة . وفي الطريق كان يحدثني عن أعراس البادية وما تتميز به
من طلقات للبارود ورقص للفرسان وسهرات في الخيام تحت ضوء القمر.
وصلنا مكان
العرس فكانت أنغام الناي وضربات الدف تسمع من مكان بعيد وألتحقنا بجمع كان
ملتفا حول بعضه فأخذ إبن عمي بيدي ودخلنا وسط الزحام فرأيت منضرا لم أره
في حياتي ...رقص الخيول على أنغام الزرنة و طلقات البارود التي يطلقها
الفارس من حين لآخر فكان فعلا مشهدا نادرا لم أشاهد له مثيلا
أمسكني إبن
عمي من يدي ورجعنا إلى الوراء فقد حان وقت المشوار كما يسمونه فأسطفت
الخيول وعلى ضهورها الفرسان وهم يحملون البنادق وبدؤو يستعدون للإنطلاق
فسألت إبن عمي ..ماذا سيفعلون؟ قال شاهد وسأشرح لك . أنطلقت الخيول في صف
متساوي وبسرعة فائقة وعند وصولهم حيث يوجد الجمع أطلقو طلقات البارود معا
وفي لحضة واحدة تحت تكبير الرجال وصيحاتهم وزغاريد النساء الموجودات وسط
الخيام.. ثم بدأ المشهد الأخير من الحفل ..ويسطف فارسان في مكان بعيد وقد
وضع لهما حاجز حديدي أمامهما بعشرون مترا وأنطلق الفارسان وأنا أرقبهما
وهم يقتربان من الحاجز وإذ بالحصانان يقفزان تحت هتافات الحاضرين فكان
مشهدا قل له نضير.
حان وقت
العشاء فدخلنا الخيمة مع جمع من الرجال لتناول وجبة الكسكسي اللذيذ مع
أطباق اللحم فكان أشهى طبق تذوقته في حياتي في مكان لم أدخله من قبل .خيمة
مصنوعة من الشعر في خيوط متناسقة ومنسجمة تكون بيتا بسيطا في مكوناته
ولكنه عضيم في داخله ويشهد لأهل البادية بالكرم. وفي السهرة بدأو بسكب
الشاي الرائع المصنوع من خلطة الأعشاب البرية فوق موقد الجمر التقليدي.
نمنا ليلتنا
خارج البيت تحت صوت الصراصير ونقيق الضفادع وخرير السواقي فكانت تعزف أحلى
أغنية في ليلة صيفية هب فيها نسيم عليل يحمل رائحة الأزهار من الحقل
المجاور وفي الصباح تناولنا فطورنا وتوجهنا نحو البرية للصيد فكان إبن عمي
يمتلك مهارة عالية في صيد الأرانب البرية ليصنع لنا بها طعام الغداء الذي
تناولناه في البرية التي رغم وحشتها تعطيك إحساسا بأمان تفتقده في المدينة
حان وقت
الرحيل نحو المدينة التي عدت إليها بعد أن قضيت وقتا لن أنساه في حياتي
بين أهل البادية الطيبين والطبيعة البدوية الخلابة وأنا عازم على الرجوع
في أقرب فرصة نحو البادية الخلابة.
قصة من تراثنا الجزائري العريق